اخبار

الاحتلال يسلب فرحة عوائل الشهداء والأسرى في العام الجديد

يحتفل العالم بحلول العام الجديد، بطرق وأساليب متعددة، وسط مشاعر السعادة والفرح والأمنيات بغدٍ أفضل ومستقبل مشرق، إلا في فلسطين، فالاحتلال الجاثم فوق صدور الشعب الفلسطيني ويحتل أرضه، يواصل سرقة حياتهم وسلبهم أحلامهم وحتى أمنياتهم، فإنها تمتزج بمشاعر الحزن والألم، كما حول الأسيرة المحررة والناشطة النسوية هيام حمدان من جنين، فأمنيتها أن يحمل لها العام الجديد كما تقول: “تحقيق أمنية حياتها الوحيد، تحرير جثمان شقيقها الفدائي حمدان رأفت حمدان، المحتجزة في مقابر الأرقام منذ 48 عاماً، توفي خلالها ووالديها وعدد من أفراد أسرتها وفي قلبهم غصة بعدما رفض الاحتلال الإفراج عن جثمانه في كل صفقات وعمليات التبادل”.

الشهيد حمدان رأفت حمدان..

في منزلها بمدينة جنين، اختفت كل مظاهر الزينة، وظهر على جدران منزلها فقط صور حمدان الذي أبصر النور في بلدة عرابة عام 1948، واستشهد خلال تنفيذه عملية فدائية في 24-5-1974، وتقول: “في كل المناسبات الدينية والوطنية وغيرها، نشعر بحزن كبير، لإن جرحنا ما زال ينزف، فطوال السنوات الماضية، لم نتوقف عن المطالبة بجثامين أبطالنا وبينهم شقيقي، لكن فشلت كافة المحاولات، أمام غطرسة وسياسات الاحتلال”.

وتضيف: “في العام الجديد، استعيد ذكريات شقيقي الذي تخلى عن حياته وعمله في الكويت، وانتقل عام 1967 إلى لبنان، وانخرط في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وشارك في عدة عمليات فدائية متسللاً للوطن الذي احتضنه شهيداً في أخر عملية، وما زالت فاتورة العقاب والحساب مفتوحة باحتجاز جثمانه”.

 وتكمل: “بعد استشهاده، اقتحم الاحتلال منزلنا، ومنعنا من فتح بيت عزاء لشقيقي كانتقام وعقاب، بسبب بطولاته التي أوجعتهم، ومنذ ذلك اليوم، ما زلنا نطالب العالم بوضع حد لسياسات الاحتلال بأسر جثامين أبنائهم لكن لا حياة لمن تنادي، ولن أنسى دموع والدي والمهم عندما رحلوا قبل أن تتحقق أمنيتهم الأخيرة”.

وعلى مدار السنوات الماضية، شاركت هيام في كافة الفعاليات والأنشطة وحملات المطالبة بالجثامين، وقالت: “رسالتي في العام الجديد، خاصةً للمتباكين على حقوق الإنسان، إلى متى ستبقى الجثامين أسيرة؟، وما الهدف من سياسات الاحتلال؟، نناشد كل أحرار وشرفاء العام الوقوف معنا، فحياتنا مأسي وأحزان لن تنتهي”.

 وتكمل: “مهما مارس الاحتلال لن نركع، شعبنا أقوى من ممارساتهم، ونضالنا مستمر حتى نحقق في العام الجديد، أمنياتنا في الحرية لفلسطين أرضاً وشعباً، وأسرانا الشهداء مع وقف التنفيذ في السجون مقابر الأحياء، والشهداء منهم في مقابر الأرقام، فمن يحقق لنا هذا الحلم؟”.

الأسير سامر المحروم..

نفس السؤال، تردده فلسطين المحروم التي ما زالت تنتظر حرية زوجها الأسير القائد سامر عصام المحروم من جنين، والذي لم تكتمل فرحتها وعائلته بتحرره بصفقة “وفاء الأحرار” بعد ربع قرن خلف القضبان، وزواجه وتأسيس أسرة، حتى أعاد الاحتلال زجه خلف القضبان والحكم عليه بقضاء ما تبقى من محكوميته، بينما رزق بطفلين من نظف مجمدة، لم يفرح بعناقهما، كما عاش صدمة العمر الكبيرة، بوفاة والدته المناضلة يسرى المحروم التي قضت عمرها على بوابات السجون، تنتظر حياة الحرية بكنفه ورؤية أحفاد سامر الذي يستقبل العام الجديد في سجن “النقب الصحراوي”.

تقول فلسطين: “نتمنى أن يكون العام الجديد، بشرى وفرحة بحرية وعودة سامر، ليجتمع شملنا مع جديد، ويعيش ويتربى طفلينا أدم وياسمين في أحضانه، ومهما عشنا من ألم ومعاناة في ظل ظلم الاحتلال الذي انتزع سامر من بيته وحياته الجديدة، لم ولن نفقد الأمل، فإشراقة الفجر الجديد قادمة، وأشعر بفخر واعتزاز بصلابة وصمود ورباطة جأش سامر، الذي يزرع فينا المعنويات في كل زيارة، ويبشرنا بأن الحرية مهما تأخرت قريبة”.

مع طفليها اللذان أنجبتهما من نطف مجمدة خلال اعتقال سامر الثاني، استقبلت فلسطين وعائلة سامر بمنزلهم في جنين، العام الجديد وسط الأمنيات والصلوات، وتقول: “في هذه اللحظات، نستعيد شريط الذكريات الطويل بدءاً من اعتقال سامر بتاريخ 15-11-1986، والحكم عليه بالسجن المؤبد، وصموده وثباته عبر سنوات القهر والاحتلال يشطب اسمه من كل الصفقات والإفراجات حتى تنسم عبير الحرية في 18-10-2011، منتصراً على الاحتلال وسجونه”.

 وتضيف: “استمرت مواسم الفرح بحرية سامر حتى تزوجنا في الموعد الذي اختاره تاريخ 17-4-2014 ، يوم الأسير الفلسطيني، ليبعث لرفاقه رسائل أمل وبشرى، استقرينا في المنزل الذي شيده سامر وعشنا حياة رائعة وجميلة لا تصفها كلمات، لما تمتع به من روح ونهج حياة وقيم إنسانية سامية”.

 وتكمل: “بدأنا نخطط لحياتنا وأحلامنا وأهتم سامر بتوفير أجواء أسرية، ليعيش حياته من جديد بعد سنوات العذاب والحرمان والصبر الطويل، لكن الاحتلال سرق الفرحة مرتين الأولى بإعادة اعتقاله فجر 18/6/2014، والوجع الثاني الذي عشناه، صدمة فقداني الحمل من شدة تأثري وقلقي عندما اعتقل الاحتلال زوجي قبل أن يتحقق حلمنا برؤية طفلنا الأول، فدفعت الثمن غالياً”.

عمت أجواء الحزن في منزل عائلة المحروم بعدما أعاد الاحتلال حكم سامر السابق، لكنه صمد وتحدى من جديد، وبدأ معركة الأمل بانتظار انكسار القيد، فاستعاد سامر الأمل عندما رزق بطفليه التوأم أدم وياسمين من نطفة مجمدة، فتغيرت الصور والمشاهد وعادت أجواء الفرح.

 وتقول زوجه: “في لحظات الولادة، عشنا مشاعر ممزوجة بين الألم والفرح الذي نتمنى أن يكون دائماً في حياتنا، ولن يتحقق حتى يتحرر زوجي ويعانق ياسمين وآدم الذي يردد اسمه ويناديه دوماً”.

 وتضيف: “طفلي أدم بدأ خطواته الأولى في الحياة معي ومع جدته المناضلة أم سالم قبل رحيلها، في خيام الاعتصام والتضامن، لم ينام في حضن والده ككل الأطفال، وأملي بالله أن تنتهي هذه المحنة ويجتمع شملنا عن قريب، ليتربا الطفلين في كنف ورعاية والدهما الأب والإنسان المخلص والحنون، والذي لا يملك أحد في العالم قلباً كقلبه الذي لا يمكن أن يعوضنا عنه أحد”.

في سجن ” النقب ” الصحراوي، استقبل سامر العام الجديد، ورغم مشاق السفر بين جنين ومنفى سجن، تواظب الزوجة الصابرة وطفليها على زيارة سامر، وتقول: “ننتظر على أحر من الجمر مواعيد الزيارة لنستعيد العزيمة والأمل، صحيح أن هناك مشقة وألم كبيرة في رحلة العذاب للسجن، لكن في نهايتها يكون فرح لرؤيتنا لزوجي سامر”.

 وتضيف: “العام الماضي، ودعناه بالكثير من المآسي والأوجاع التي لا توصف، والتي تركت أثاراً محزنة لوفاة والدته واعتقاله، لكن لا يوجد خيار آخر سوى الصبر والإيمان بالله هو الوحيد للتحمل والصبر”.

 وتكمل: “سنبقى ننتظر بأمل، خاصةً بعدما كرمنا رب العالمين بمولودتنا الثانية في غياب والدها، ولدي يقين وأمل كبير من الله العلي القدير، بأنه سيفرج عن سامر قريباً ويلتم شملنا ونكون عائلة سعيدة”.

الأسير رائد السعدي..
ولا تختلف طقوس الحياة في منزل عائلة عميد أسرى محافظة جنين، رائد السعدي الذي ينحدر من بلدة السيلة الحارثية، بل تبدو الصور أكثر ألماً ووجعا في حياتها، مع فقدان والده الثمانيني محمد شريف السعدي البصر والحركة، حتى أصبح عاجزاً وطريح الفراش، كما تقول كريمته قمر: “لشدة الحزن والقهر لغياب أحب الناس على قلبه، بينما سجون الاحتلال تحرمه فلذة كبده، الذي أنتظره مع والدتي أكثر من ربع قرن، ليفرحا بحريته وزفافه، فوالدتي رحلت قبل أن تتحقق أمنيتها، بينما نالت الأمراض من والدي حتى لم يعد قادراً على زيارته”.

وتضيف: “نشعر بحزن كبير، لاستقبال العام الجديد ووالدتنا في قبور الدنيا، وشقيقنا تضيع زهرة شبابه وعمره في قبور ومدافن الاحتلال، بينما والدي فقد بصره، فإلى متى يستمر هذا الظلم والعذاب والألم؟”.

منذ اعتقال رائد في ريعان الشباب في عام 28-8-1989، وحكمه بالسجن المؤبد، وتكرار شطب اسمه من عمليات التبادل والإفراجات، قضى الحاج محمد السعدي حياته على بوابات السجون حتى فقد البصر، وعلى مدار 32 عامًا، لم يتنازل عن أمنيته الوحيدة أن يعيش حتى يستنشق رائحة نجله التي لم ينساها لتعوضه عن الفقدان الموجع لرائد الذي يقول عنه “كان حنوناً جدًا خاصة على والدته التي أحبته وميزته عن كل العالم، فقد كان روحها بالدنيا، وتنتظر المناسبات السعيدة مثل الأعياد وعيد الأم لتستنشق رائحته من هداياه الجميلة التي يصنعها من يديه”.

ويضيف: ” في عيد الأم، هدايا رائد وحدها التي كانت تمنحها مشاعر الفرح والسعادة والأمل، وحتى عندما كان يحضر لها باقي الأبناء والبنات الهدايا، فان ما يرسله رائد من سجنه له معنى وقيمة أجمل وأكبر”.

ويكمل: “زوجتي أم عماد رحمها الله، كانت تتذكر رائد كل يوم ولحظة، عندما تنام وتصحوا، صبرت وانتظرت وقاومت المر، وكان أملها الوحيد بإن تحتضنه وتراه وتفرح به، ولكن رحلت حزينة وباكية، وآخر كلماتها رائد الذي حرمنا الاحتلال حريته بعدما تراجع عن إطلاق سراح الدفعة الأخيرة من قدامى الأسرى التي كان مقرراً أن تشمله”.

في العام الجديد، لن يحظى السعدي حتى بفرصة لمغادرة فراشه ومنزله وزيارة رائد، لكنه في قلبه وحياته الكثير من الأمنيات، ويقول: “ليس لدينا أدنى شك، أن شعبنا قادر على هزيمة الاحتلال، رغم كل الظروف، لدينا أمل دائم بحرية فلسطين والقدس وكل الأسرى وعودته لأحضاني”.

 ويضيف وهو يردد أبيات من الشعر من تأليفه أهداها لأسيره: “كل صباح أنهض من فراشي على ذات الحلم الجميل، عودته لمنزلنا، صحيح لن أتمكن من رؤيته، لكن عندما يكسر القيد ويعود منتصراً، فإن رائحته العطرة تكفيني لتعوضني عن سنوات الفراق، ونعيش أفراحنا المؤجلة منذ 32 عاماً، فهل يحمل العام الجديد هذه البشرى وأعيش حتى تتحقق ؟”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى