اخبار

“يسرائيل هيوم” تتساءل: كيف يوقف بينيت “كرات اللهب المتدحرجة” نحو حكومته؟

إسرائيل اليوم – بقلم: يوآف ليمور     “اجتازت حكومة بينيت هذا الأسبوع تحديها الأمني الأول. فقد مرت مسيرة الأعلام بسلام دون أن تبعث موجات صدى زائدة. كما الأحداث في غزة كانت تحت السيطرة بينما حرصت إسرائيل على الإيفاء بالتزامها بأن “حكم البالون كحكم الصاروخ”.

ليس هذا هو مستوى التحديات التي بانتظار الحكومة الجديدة في السنوات القادمة. ستكون أمامها سلسلة من المواضيع، كل واحد منها يستدعي بلورة سياسة ورسم طرق عمل. معقول أن ينعقد الكابينت السياسي الأمني بتواتر أعلى في سلسلة من المداولات العميقة. على جدول الأعمال: إيران، والولايات المتحدة، والجبهة الشمالية والساحة الفلسطينية، ومبنى الجيش وميزانيته وغيرها.

الجلاد من طهران

التحدي الأول والفوري هو النووي الإيراني. فالقوى العظمى وإيران تقف على شفا التوقيع على اتفاق نووي جديد. عملياً، تطلعت الولايات المتحدة لتنهي الأمر حتى قبل الانتخابات للرئاسة في إيران والتي ستجرى الأسبوع القادم، ولكن الإيرانيين هم الذين تصلبوا في المواقف.

التقدير السائد هو أن الزعيم الأعلى علي خامينئي، يسعى لإعطاء إنجاز عن رفع العقوبات ضمن إطار الاتفاق للمتوقع أن يفوز في الانتخابات، إبراهيم رئيسي، المحافظ المتصلب، الذي تجرى الآن محاولة لرسم صورته في شكل يبنيه كالزعم الأعلى المستقبل. انتخابه يشهد على أن إيران ستواصل خطها الكدي تجاه الغرب بما في ذلك في المجال النووي والإرهاب والتموضع الإقليمي.

الاتفاق المرتقب لن يحرر حكومة بينيت من الانشغال بالموضوع. العكس هو الصحيح، إذ إنها ستكون مطالبة بأن تقرر، فوراً، ما العمل. إيران أقرب بكثير اليوم من النووي مما كانت عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018. كما أن مساعي التخريب على برنامجها النوي، والتي نسبت في معظمها لإسرائيل، لم تحرفها عن مسارها.

إلى جانب إعداد خيار عسكري حديث، مطلوب تنسيق عميق مع الأمريكيين، والأوروبيين أيضاً، في محاولة للتأثير على الإدارة لتحقيق التزامها بأن يكون الاتفاق أطول وأقوى، وبالتوازي أيضاً تحديد خطوط حمراء، والقول ماذا سيفعل إذا تبين بأن إيران خرقت هذه الخطوط.

سيستدعي هذا جهداً دبلوماسياً منسقاً لشق مسارات لقلب الإدارة الجديدة. فالتنسيق السياسي – الأمني مع الأمريكيين هو في لباب قوة إسرائيل، ومطلوب تعزيزه. صحيح أن إسرائيل رفضت حتى الآن من الأمريكيين طلب المقابل على عودتهم المتوقعة إلى الاتفاق كي لا يظهر الأمر وكأنها مستعدة للبحث أو المساومة في مسألة النووي الإيراني، ولكن من اللحظة التي يوقع فيها الاتفاق سيكون ممكناً وضع كل شيء من جديد على الطاولة، بما في ذلك قدرات منعت عن إسرائيل.

استثمار في حلول هجومية

ستكون إيران في بؤرة ثلاث مسائل أخرى ترتبط فيما بينها: الأولى، الإنتاج المواظب لوسائل قتالية ولا سيما صواريخ بعيدة المدى ودقيقة وطائرات غير مأهولة، وتنقل إلى مرعييها في المنطقة. الثانية، جهودها لفتح جبهة أخرى مع إسرائيل، ولا سيما في سوريا ولبنان، وبقدر أقل في اليمن أيضاً، والعراق وغزة. والثالثة، أعمال الإرهاب المتواصلة لها، في المنطقة وفي أرجاء العالم.

في السنوات الأخيرة، تدير إسرائيل معركة دائمة ضد هذا النشاط الإيراني. تحت عنوان “المعركة ما بين الحروب” تتم أعمال جارية لقطع جهود التموضع الإيراني في سوريا لتشويش نقل وسائل قتالية متطورة لجملة من الجهاد في المنطقة ولا سيما لحزب الله في لبنان. هذه المعركة حققت حتى الآن إنجازات عديدة ولكنها لم تدفع إيران لتغيير برامجها. والآن سيكون من الصواب فحص مدى نجاعتها، وكذا أيضاً التعديلات الواجب إدخالها فيها.

كجزء من ذلك، يجب اتخاذ قرارات تتعلق بحزب الله والساحة الشمالية. من بين طواقم التحقيق التي عينت في أعقاب الحملة الأخيرة على غزة، فإن ذاك الذي يفحص التداعيات على معركة مستقبلية في لبنان (والذي يترأسه قائد المنطقة الشمالية امير برعم)، هو الأهم. وقبل أن ينهي عمله، واضح أن الحرب القادمة في الشمال لن تشبه شيئاً رأيناه في الماضي. وستكون إسرائيل مطالبة بأن تستعد لها عسكرياً بل وعملياتياً وأساساً في جمع الشرعية الدولية وإعداد منظومات وعي ناجعة.

مسألة الصواريخ والمقذوفات الصاروخية هي الأخرى تستدعي بحثاً معمقاً، والقرارات جسيمة. أطلق من غزة في “حارس الأسوار” 4.400 صاروخ أدت إلى حجم يمكن احتماله من الإصابات والضرر. أما الحرب في الشمال – التي ستحدث على أي حال هي “حرب الصواريخ الأولى” والتي ستطلق فيها على إسرائيل صواريخ وذخائر أخرى من لبنان بل وسوريا وغزة ويحتمل أيضاً من العراق واليمن وربما من إيران نفسها أيضاً – ستقف إسرائيل أمام تهديد غير مسبوق يستدعي استثمارات زائدة في منظومات الدفاع الجوي، ولكن أيضاً في حلول هجومية وتكنولوجية تؤدي إلى تقليص التهديد والضرر المحتمل.

صحيح أن الردع في الشمال قوي، ولكن حسن نصر الله عاد في خطابه الأخير ليتحدث عن “ملف مفتوح”، أي عن نيته للانتقام على مقتل ناشطه في الصيف الماضي في دمشق. مشكوك أن يكون حزب الله معنياً بالحرب، ولكن على خلفية النجاح الجزئي للاستخبارات في قراءة خطوات حماس في غزة، سيكون من المجدي إعادة فحص فرضيات العمل في سياق حزب الله ولبنان أيضاً الذي يجتاز اليوم أزمة اقتصادية غير مسبوقة، فيما قدرته على أن يؤدي دوره كدولة موضع شك.

حظوة في كل قصر

الموضوع الفلسطيني هو الآخر سيشغل بال حكومة بينيت، بقسميه. فأبو مازن الآن في أواخر عهده ويخيل أحياناً أنه يفقد الاهتمام والاتصال بالواقع. المحيطون به يوثقون العلاقات مع حماس، التي يشخصونها وعن حق كجهة عظيمة القوة ستستوجب على الأقل شراكة مستقبلية. إن الهدوء الأمني النسبي في الضفة مبني أساساً على جهود الجيش والمخابرات الإسرائيلية، وبقدر كبير على التعاون الأمني مع الفلسطينيين. في الفترة الأخيرة ضعفت سيطرة السلطة في بعض المناطق، وتعاظم العنف. إسرائيل لن تصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين في عهد بينيت (وعلى ما يبدو بعده أيضاً)، ولكن لها مصلحة في الإبقاء على الهدوء. الطريق إلى هناك ستمر كما تبدو أيضاً باستئناف الاتصالات السياسية مع السلطة، بوساطة وبضغط أمريكي.

إن توثيق العلاقات مع السلطة واجب أيضاً كجزء من تحديد استراتيجية واضحة تجاه قطاع غزة، الأمر الذي امتنعت عنه إسرائيل حتى الآن. لقد سعت “حارس الأسوار” لتعزيز الردع تجاه غزة، ولكن إنجازاتها لم تصمم بعد، والجبهة هشة جداً. من غير المستبعد أن تكون إسرائيل مطالبة بعملية عنيفة أخرى في القطاع قريباً كي توضح حدودها. هدوء مطلق من غزة وقطع صلتها بالقدس، ولاحقاً الدخول في محادثات بوساطة مصرية تسمح بإعمار القطاع في ظل تقليص التعاظم العسكري لحماس.

إن المسائل الفلسطينية ستعطي للحكومة الجديدة مصدراً مريحاً أيضاً لتوثيق العلاقات مع العالم العربي المعتدل. مصر حليف قريب لإسرائيل والعلاقة السياسية مع الأردن – التي اهتزت في السنوات الأخيرة على خلفية التماس بين الملك عبد الله ورئيس الوزراء بنتنياهو – واجبة التعزيز.

كما أن اتفاقات إبراهيم تعد أرضاً مريحة لتعزيز التنسيق في جملة من المواضيع وفي وجه عموم التهديدات. ليس واضحاً كم سيكون ممكناً توسيعها في الفترة القادمة وضم دول أخرى إليها، ولكن إسرائيل ستواصل من تحت السطح نيل باب مفتوح تقريباً في كل عاصمة وقصر على مدى آلاف الكيلومترات. ومن المجدي لإسرائيل أن تبلور سياسة واضحة حول ما تستعد هي لعمله مقابل السلام، مثلاً حيال طلب مستقبلي مرتقب من السعودية لقدرات عسكرية متطورة من الأمريكيين مثل تلك التي حصلت عليه الإمارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى