هناك أمور جعلت زيارته مميزة.. هآرتس: رئيس الـ “سي.آي.إيه” يذكر إسرائيل بـ”حدود المناورة”!
هآرتس – بقلم: ألون بنكاس “كثير من رؤساء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي.آي.إيه” زاروا منطقة الشرق الأوسط أثناء ولايتهم، منهم ستة زاروا إسرائيل منذ السبعينيات. جميعهم، بدرجة تدخل مختلفة، نصحوا الرئيس الأمريكي بخصوص السياسة في الشرق الأوسط.
زار عدد منهم البلاد في سياق وظروف عملية سياسية ومحاربة الإرهاب، مثل جورج تينيت في عهد الرئيس بيل كلينتون وبوش الابن. وآخرون كانت زيارتهم في سياق عسكري واستراتيجي: مثل زيارة مايكل هايدن في 2007 عند اكتشاف المفاعل النووي في سوريا، وجون بيرنن في 2015 على خلفية المفاوضات والمحادثات النووية مع إيران، التي أدت إلى التوقيع على الاتفاق النووي في نفس السنة، ووليام كايسي الذي كان رئيس الوكالة أثناء قضية بولارد في منتصف الثمانينيات، زار على خلفية أزمة الثقة بين أجهزة المخابرات. وجاء بعضهم على خلفية التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مثل ليئون بنتا والجنرال دافيد بتراوس اللذين كانا في المنطقة في إطار تذبذب وعدم يقين جيوسياسي.
كل هذه الزيارات كان لها قاسم مشترك واحد، وهو أن الولايات المتحدة كانت ما تزال تتدخل دبلوماسياً وعسكرياً في الشرق الأوسط، وكانت تحدد مصالح أمريكية حيوية للحفاظ عليها. الوضع الآن ليس كذلك، ففترة الولايات المتحدة فيها في حالة تراجع بطيء وتدريجي لكنه واضح، ولا يوجد لها في منطقة أي مصالح أساسية وحيوية.
هناك أمور تحول زيارة رئيس الوكالة الجديد أمس، وليام برانس، إلى زيارة مميزة.
أولاً، جدول الأعمال المتنوع: إيران بالتأكيد تشكل الموضوع الرئيسي والملح، والسيناريوهات المختلفة جراء العودة المحتملة للولايات المتحدة إلى إطار الاتفاق النووي ستكون في بؤرة هذه المحادثات. ولكن إيران ليست الموضوع الوحيد. فمستقبل السلطة الفلسطينية أيضاً والاستقرار في الأردن والموضوع الرئيسي بالنسبة للولايات المتحدة، وهو المكانة والنشاطات العميقة للصين في المنطقة، هي الأخرى على جدول الأعمال. لا أحد من أسلاف برانس في المنصب واجه في فترته مطعماً شرق أوسطياً مكتظاً بالوجبات التي تنبعث منها رائحة كريهة وذات طعم سيئ.
ثانياً، خلفية برانس: لرئيس الوكالة تاريخ مهني متنوع كدبلوماسي في وزارة الخارجية مدة 33 سنة، التي انهاها كنائب لوزير الخارجية ومتفاوض مع إيران. هذه الخلفية لا تميزه فقط عن رؤساء الوكالة الذين سبقوه، الذين جاءوا من داخل المؤسسة نفسها ومن الجيش ومن السياسة، وهذه كانت السبب الرئيسي والمنطق الموجه لتعيينه من قبل الرئيس. شكل بايدن طاقماً له رأسان لمقاربة “الدبلوماسية هي السياسة الخارجية”: وزير الخارجية أنتوني بلينكن ورئيس الـ سي.آي.ايه، بيل برانس. بناء على ذلك، كل من يفحص التشكيل والبلورة وخطوات السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية يجب عليه التعامل مع برانس كنوع من وزير خارجية آخر، وأن لا يكون مقيداً لصفات تقليدية لرئيس وكالة الاستخبارات المركزية.
نظرة على طريقة التفكير وعلى المبادئ الموجهة ورؤية برانس بخصوص الشرق الأوسط نجدها في مقال طويل كتبه في كانون الأول 2019 عندما كان رئيس “صندوق كارنجي” قبل تعيينه رئيساً للوكالة. عنوان المقال هو “نهاية التفكير السحري في الشرق الأوسط”. من الجدير التوقف عند فقرتين في المقال لمعرفة طريقة تفكير الإدارة.
“رغم الإنجازات المهمة، إلا أننا (الولايات المتحدة) غالباً ما نقرأ تيارات إقليمية بشكل غير صحيح ونخطئ في ملاءمة الوسائل مع الأهداف. في نقطة زمنية معينة، مثلاً، بعد هزة أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، أدى تعصبنا التبشيري إلى توتر عسكري زائد واستثمار دبلوماسي ضئيل. نسمح للطموحات بأن تتغلب على احتمالات عملية واحتمالية القيام بخطوات في منطقة لا يوجد “الكامل” فيها ضمن القائمة، وتداعيات أفعالنا… غير مجدية. إغراء التفكير السحري، والميل للتقدير الزائد عن الحد لتأثيرنا والتقدير الأقل جداً للعقبات التي تقف في طريقنا ونشاطات لاعبين آخرين في المنطقة، كل ذلك أدى إلى غياب الانضباط وخيبة الأمل. لذلك، تآكلت شهية الأمريكيين للمغامرات في الشرق الأوسط بشكل مستمر “.
وواصل برانس: “هذا يترك السياسة الأمريكية في مفترق طرق. لحظتنا المميزة كقوة خارجية مسيطرة في الشرق الأوسط تلاشت. ولكننا نملك الأدوات. ومفتاح الممارسة الصحيحة للسلطة لا يوجود في تجديد التطلعات المضخمة أو في النشاطات العسكرية المفرطة التي اتسمت فيه معظم الفترة التي أعقبت الحادي عشر من أيلول. ولكن أيضاً ليس بفك ارتباط كاسح”.
زيارة برانس ليست زيارة مجاملة. فهو لا يأتي لقياس درجة حرارتها وأخذ انطباع عن تفاصيل سياسة الحكومة في إسرائيل. وهو يعرف مقاربات إسرائيل الأساسية جيداً. يترك المحادثة السياسية المهمة للقاء الأول والثاني لبينيت مع بايدن في الأسابيع والأشهر القريبة القادمة. يأتي برانس كحليف يريد تذكير إسرائيل، بشكل لطيف، ما هي مصالح أمريكا وما حدود المناورة، وإلى أي درجة تعي إسرائيل ذلك.
هناك سيناريوهان متشابهان من حيث إمكانية تحققهما، الاتفاق أو عدم الاتفاق. برانس يعرف تحفظات إسرائيل الجوهرية من الاتفاق النووي. وأضيفت التحفظات عندما اتضحت الخطوط الرئيسية للاتفاق الجديد، خاصة غياب بديل لتقدم إيران في تخصيب اليورانيوم منذ ذلك الحين وتقصير “زمن الانطلاق” إلى جهاز نووي عسكري. في سيناريو الاتفاق كمقدمة للقاء بين بينيت وبايدن، فإن برانس يريد من إسرائيل أن تخفف من لهجتها ضد الاتفاق وتجنب القيام بنشاطات تآمرية في الكونغرس وفي وسائل الإعلام الأمريكية. من المعروف أنكم تعارضون. تصرفوا بضبط النفس. والبديل أسوأ.
المعضلة الكبرى هي غياب الاتفاق، كنتيجة لقرار أمريكي بعدم التقدم في ضوء الشروط التي تضعها إيران أو محاولتها إطالة المفاوضات لأشهر كثيرة بدون هدف. في هذه الحالة، من شبه المؤكد أن برانس وبينيت قد تحدثا عن الاستخبارات السياسية والتكنولوجية القائمة في الموضوع الإيراني وحول نوع وحجم آلية التشاور وتبادل المعلومات الثابت الذي يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل إقامتها.
أما في الساحة الفلسطينية فسيعرض برانس على إسرائيل ترك أي خطوات أحادية الجانب، يمكن أن تضعف وتقوض استقرار السلطة الفلسطينية. وسيوصي بخطوات تبني الثقة. وهو سيكرر موقف الولايات المتحدة أن “الوضع الراهن غير دائم”.
سيقول لمستضيفيه: “هناك موضوع الصين. وإنكم تعرفون ما نتحدث عنه، وتعرفون عن اتفاق الشراكة الاستراتيجي بين الصين وإيران، وتعرفون عن مبادرة “الحزام والطريق”. وتدركون المصلحة العليا والموارد التي تستثمرها الولايات المتحدة في موضوع الصين. أؤمن وآمل بأنكم لا تصغون فقط لذلك ومتنبهون له، لكنكم أيضاً شركاء”، هكذا سيلخص الأمر لهم.