هل تنذر الأحداث الأخيرة بثورة فلسطينية تمتد من البحر إلى النهر؟
بقلم: دورون مصا “سلسلةالعمليات الأخيرة التي حدثت في يهودا والسامرة وشرقي القدس، لا ترتبط بحماس ولا بالجهاد الإسلامي أيضاً. والتفسير الذي يربط المنظمات الإسلامية بالإرهاب مثله كمثل محاولة البحث عن قطعة نقد من تحت الفانوس، فهذه ليست سهلة ومريحة فحسب، بل نعرف ظاهراً أي أجوبة قد تعرض في أمور كهذه، مثل اعتقال نشطاء معارضة فلسطينيين وتجنيد أجهزة الأمن لمكافحة الإرهاب”.
منفذو العمليات ليسوا ذوي انتماء تنظيمي، هم في الغالب شبان فلسطينيون ينفذون إرهاباً غير منظم، بل ويكون “بدائياً” بأسلوب الطعن والدهس. عملياً، من المتعذر أيضاً أن نعلق موجة العمليات بباعث محدد ما. فلم يقع حدث شاذ في الحرم، ولم يسجل أي نشاط استثنائي لإسرائيل في يهودا والسامرة وفي قطاع غزة، ومسألة حي الشيخ جراح نائمة، وبناء عليه، فمن الواضح أن كل هذه الأسباب استيقاظ لواقع أمني يتعلق بسياقات أعمق تجري في الساحة العربية – الفلسطينية، وليس مؤكداً أن لدى إسرائيل أدوات جيدة كي توقف مسار تطورها.
سلسلة أحداث الإرهاب تقع في وقت قريب من ظواهر أخرى وتوفر تلميحات لتلك السياقات. فالحديث عن فوضى داخلية في بؤر مختلفة من مناطق السلطة الفلسطينية مثلما في منطقة جنين، حيث تجري أجهزة الأمن في الأسابيع الأخيرة حملة لإعادة السيطرة. لظاهرة الإرهاب الفلسطيني ولظاهرة العنف الداخلي في السلطة قاسم مشترك واحد، وهو المحيط الاجتماعي الفلسطيني الذي يقف خلفهما. هذا هو العامل الذي يتحدى ما يمكن أن نسميه “النظام” الاقتصادي – السياسي الذي عملت عليه إسرائيل والسلطة معاً. يستند هذا النظام إلى نموذج منفعي سعى لتحقيق جودة حياة الفلسطينيين، وبهذه الطريقة يلطف حدة الفاعلية الوطنية – السياسية، وهو المسؤول عن الاستقرار الأمني النسبي في العقد والنصف الأخيرين.
والآن تتراكم المؤشرات التي تدل على أن المحيط الفلسطيني بدأ يتحدى هذا النظام. فالحديث يدور عن شبان مطلوبين للإرهاب، ذوي سوابق وهامشيين، ليسوا مشاركين في النظام السياسي – الاقتصادي ولا يرون فيه مستقبلهم. ولهذا، فإنهم يسعون إلى تقويضه ويوجهون طاقاتهم إلى منتجيه الأساسيين: إسرائيل عبر الإرهاب تجاه الخارج، والسلطة عبر الفوضى الداخلية. الأنباء السيئة هي أن هذا الميل لا يتميز به ما يجري في مناطق السلطة في يهودا والسامرة فقط، بل وفي إسرائيل نفسها، حيث يرفع المحيط العربي رأسه. ظاهرة الفوضى التي تعربد في النقب من جانب البدو، والعنف داخل البلدات العربية في الشمال، والفوضى المتواصلة في المدن المختلطة في إسرائيل، هي جزء من تلك الظاهرة لتمرد المحيط العربي الفلسطيني، الذي يجري في الوقت نفسه في المجال الجغرافي كله، الذي بين البحر المتوسط ونهر الأردن.
إن ميلنا المعروف لتأطير الظواهر والأحداث وتعريفها (عبر تعريفات منقطعة أيضاً، تخلق تمييزاً بين ظواهر مثل “الجريمة العربية”، و”الفوضى في الجنوب”، و”الإرهاب الفلسطيني”، و”العنف في المجتمع الفلسطيني”) يفوت الفهم بأن الكامل أكبر من مجموع أجزائه. يدور الحديث عن سلسلة عروض تعكس سياقاً مشابهاً، يتجاوز الحدود الجغرافية والمجتمعية. هذا سياق الثورة الزاحفة للمحيط العربي الفلسطيني على النموذج المنفعي –الاقتصادي، الذي ميز السنوات الأخيرة، وبصفته هذه يهدد بتقويض أسس الاستقرار الأمني والمدني.
هذا لا يزال لا يعني أننا قريبون من انتفاضة ثالثة في يهودا والسامرة، أو تكرار أحداث “حارس الأسوار”، ولكننا نقف بالفعل أمام تحد مهم في محاولة للتصدي لهذا السياق. إسرائيل تتخذ خطوات مختلفة حيال كل مصدر على حدة، وتحاول تعزيز القوات، وتعمل على تعزيز السلطة الفلسطينية، وتحاول تفعيل الشرطة حيال الجريمة الداخلية. ولكن ينبغي الاعتراف بأن تحكمها بسياقات اجتماعية تعرف الواقع هو أمر محدود للغاية، وهذا الدرس تلقته إسرائيل وشهدته في كل واحدة من الانتفاضات الفلسطينية على مدى التاريخ. لعله ينبغي الاستعداد منذ الآن لما هو أسوأ من كل شيء، لانتفاضة المحيط العربي – الفلسطيني.