تحذير إسرائيلي من تبعات الحرب في أوكرانيا
يحذر باحثان إسرائيليان من تبعات الحرب في أوكرانيا على الشرق الأوسط وعلى قوة وصورة إسرائيل خاصة إذا فشل الغرب في فرملة روسيا ويخشيان من ارتفاع نفوذ الصين وروسيا وإيران في المنطقة.
ويقول موشيه ألبو وميخائيل ميلشتاين – الباحثان في “معهد السياسة والاستراتيجيا” في مركز هرتسليا المتعدد المجالات إن الأزمة نشبت في أوكرانيا في وقت تصاعدت حدة التوتر في الشرق الأوسط حيال ما يراه كثيرون تراجعاً في مكانة الولايات المتحدة التي تطمح إلى حل الأزمات عبر الوسائل الدبلوماسية (كما يحدث في الموضوع النووي الإيراني) وتتفادى التدخلات العسكرية (كما تجلى في أفغانستان).
وأضافا “هذا إلى جانب تعاظُم جرأة بعض الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها إيران، الذين شعروا بأن مجال عملهم بات أوسع اليوم في ظل الواقع الجيو استراتيجي الآخذ في التشكل”.
وبرأيهما هناك سؤالان أساسيان يدوران في رؤوس اللاعبين في الشرق الأوسط اليوم، ومن ضمنهم إسرائيل: أولاً، هل هناك تغيير يحدث في الهندسة السياسية الدولية، وفي الأساس تراجُع مكانة وهيمنة الولايات المتحدة وارتفاع مكانة قوى منافسة، وفي مقدمتها روسيا؛ ثانياً، هل تشكل العملية العسكرية في أوكرانيا بداية تأسيس “عقيدة القوة” في الساحة الدولية وتراجُع مكانة الأدوات الدبلوماسية السياسية والاقتصادية التي تمثلها واشنطن؟
“المعسكر السني – السير بين القطرات”
ويقول الباحثان الإسرائيليان إنه حتى اللحظة، تبنى العالم العربي سياسة حذرة إزاء ما يخص الأزمة، ويفحص كيفية تطورها، في محاولة لتفادي الضرر في مصالح العرب مع الغرب، ومع روسيا أيضاً.
ويقولان أيضا إنه باستثناء سوريا والحوثيين في اليمن الذين وقفوا إلى جانب موسكو، امتنعت الدول العربية عن إدانة العدوان الروسي على أوكرانيا بصورة مباشرة، وفي الخلفية يبدو القلق واضحاً لدى “الدول السنية” من الضرر الذي يمكن أن يلحق بصورة الولايات المتحدة بسبب العملية الروسية، والأمر الذي يمكن أن يعزز القلق الموجود أصلاً لدى العرب بسبب سياسات واشنطن منذ وصول إدارة بايدن إلى الحكم وتعامُلها المتهاون مع طهران. وكذلك يشيران لانسحاب الولايات المتحدة المتسرع من أفغانستان، وعدم رغبتها في التدخل في أزمات إقليمية، كالصراع القائم بين دول الخليج والحوثيين المدعومين من طهران في اليمن.
السعودية والإمارات
من هنا يستنتج الباحثان الإسرائيليان أن قرار السعودية والإمارات بشأن تعزيز التعاون مع روسيا والصين في مجال الطاقة وعلى المستوى الأمني يبدو ضرورياً، في ضوء قراءة الوضع الاستراتيجي، وحاجة كل منهما إلى تنويع الاعتماد على أكثر من مصدر للتعاون، واتخاذ قرارات بشأن إدارة سياسة خارجية مستقلة، حتى لو كانت غير مطابقة للمصالح الأمريكية.
التبعات الاقتصادية
ويقولان إنه رغم كل هذا، فإن القلق الأساسي في النقاش المؤسساتي والشعبي العربي يتعلق بارتفاع في الأثمان الاقتصادية الباهظة التي يمكن أن تنجم عن ارتفاع أسعار الطاقة، والنقص المتوقع في التزود بالقمح، والتدهور إلى أزمة اقتصادية دولية، في ضوء الحرب المستمرة في أوكرانيا، والتي من الممكن أن تنعكس، بالتالي، على استقرار الأنظمة.
سباق تسلح في المنطقة
ومن منظورهما وفي المقابل، تُظهر الحرب في أوكرانيا أهمية وجود بنية عسكرية ومركزية ووجود قوة ردع نووية بهدف تعزيز السيادة وإبعاد التهديدات.
ويقولان إن التعاظم العسكري الإيراني المتوقع ما بعد توقيع الاتفاق النووي، سيؤدي إلى تسريع بناء القوة العسكرية لدول الخليج والدول السنية، وإلى سباق تسلح إقليمي. هذا بالإضافة إلى أن الإدراك أن إيران قادرة على إنتاج قوة نووية شرعية بعد عقد، سيدفع، بمعقولية عالية، دولاً أُخرى في المنطقة (السعودية، مصر، تركيا) للاستثمار في هذا أيضاً، بهدف بناء توازن ردع استراتيجي.
تركيا – تفادي نقطة “اللا عودة”
وبشأن تركيا فهي وفقا للباحثين الإسرائيليين هي اللاعب الشرق الأوسطي الذي يتبنى الموقف الأكثر وضوحاً حيال الأزمة، والوحيدة التي توجه انتقادات واضحة ضد موسكو.
ويقولان إنه في الخلفية، هناك تضافُر لعدة عوامل، أولها حقيقة أن تركيا هي جزء من حلف شمال الأطلسي – الناتو، بالإضافة إلى طموح أردوغان إلى تحسين صورته ومكانته في الغرب، على أمل أن يثمر الموقف التركي، مستقبلاً، عن مساعدة خارجية تخفف من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تركيا لكنهما يسارعان للتحفظ بالقول “ومع هذا، فإن العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وروسيا تخفف من السياسة الخارجية لأنقرة، التي لا تزال تمتنع من اتخاذ خطوات “لا عودة” عنها”.
الفلسطينيون: “عدم الحسم“
وفي المستوى الفلسطيني يقولان إنه كما سائر العالم العربي، الفلسطينيون يجدون أنفسهم وسط مصالح متشابكة أمام الأزمة في أوكرانيا، ويحرصون على عدم تبني موقف رسمي وواضح من الموضوع، باستثناء بعض فصائل اليسار الصغيرة، وعلى رأسها الجبهة الديمقراطية التي وقفت إلى جانب موسكو منذ بداية الحرب.
فمن خلال مراجعة عدد قليل من التصريحات والتحليلات، من الممكن فهم المزاج العام في المنظومة الفلسطينية. ويضيفان “فمن جهة، هناك قلق لدى السلطة من أن الأزمة ستهمش القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي، أكثر فأكثر، وتعمق تراجُع مكانة الولايات المتحدة، في الوقت الذي يقودها رئيس يقدر الفلسطينيون أنه سيضغط على إسرائيل للمضي قدماً في مفاوضات سياسية بين الطرفين”.
ويزعمان أيضا أن هناك بوادر تساؤلات لدى “حماس”، مفادها أن الأزمة الحالية ستؤدي إلى ضرر كبير في صورة ومكانة واشنطن بشكل سينعكس مباشرةً على إسرائيل، وفي هذا السياق برز تصريح عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق، وبحسبه، فإن الأزمة الحالية تؤشر إلى فقدان الولايات المتحدة هيمنتها في العالم.
ويقولان إن موقف “حماس” يعكس متابعة ودراسة معمقة تجري أيضاً، كما يبدو، لدى حزب الله وإيران بخصوص الأزمة، تصاحبها محاولة لفهم الدلالات الاستراتيجية العميقة لها، وفي رأسها: هل هناك تغيير في النظام الدولي، وفي إطاره هناك شرعية أكثر مما مضى لاستخدام القوة العسكرية، بصورة تسمح لمحور المقاومة باتخاذ خطوات أكثر جرأة؟ ما هو حجم الضرر الذي لحق بقوة الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وكيف سينعكس هذا على مكانة إسرائيل وسلوكها؟ وإلى أي درجة سيؤثر الواقع الدولي الجديد في مناطق عمل إسرائيل في كل ما له علاقة بسورية، على سبيل المثال؟
خلاصات
ويخلص الباحثان الإسرائيليان للقول إنه سيكون لنتائج الحرب في أوكرانيا انعكاسات مباشرة على الشرق الأوسط على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي. النجاح الغربي في وضع حد للعدوان الروسي، وإظهار قوة من خلال الأدوات الاقتصادية والسياسية للحفاظ على النظام الدولي القائم بقيادة الولايات المتحدة، من شأنه تعزيز مكانة واشنطن في الشرق الأوسط، وبصورة خاصة مع “المحور السني” الذي عبر منذ وقت عن قلقه المستمر من تضعضُع مكانة الدعامة الأمريكية.
هذا الأمر يمكن أن يحدث في الأساس في حال “تراجُع” موسكو، ولكن أيضاً في حال غرقت في صراع طويل ومستمر يستنزف قدراتها في أوكرانيا. ويضيفان “في المقابل، فإن نجاح الاستراتيجيا الروسية في أوكرانيا (إخضاع الدولة عسكرياً، أو تنصيب حكومة طوارئ توقع تنازلات سياسية)، بالإضافة إلى إظهار موقف صامد، والتمسك بأهدافها، مع إبراز ضعف الغرب وأمريكا في ردعها، سيسرع مسار النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط. وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى المزيد من زعزعة أمن “المعسكر السني” الذي يواجه جرأة إيرانية متزايدة على أكثر من جبهة، إلى جانب توقيع متوقع للاتفاق النووي، وسيدفع به إلى تفاهمات إضافية مع موسكو، بهدف لجم التهديدات المتزايدة لهم”.