هآرتس: هكذا أصبحت جنين بؤرة للتصعيد وتحدياً استخبارياً لـ”إسرائيل”
هآرتس- بقلم: عاموس هرئيل الشخص الذي قتل ثلاثة شباب إسرائيليين في عملية بتل أبيب، مساء الخميس، فعل شيئا آخر أيضاً؛ فقد وفر لإسرائيل عنواناً للرد. القاسم المشترك بين العمليات الثلاث القاسية في الأسابيع الأخيرة، في بئر السبع والخضيرة و”بني براك”، غاب عنها في الحقيقة الخيط الرابط، ليس فقط لأن المنفذين -حسب تحليل أجهزة الاستخبارات- لم يعملوا تحت إطار تنظيمي معين، بل لأنهم جاؤوا من مناطق مختلفة. القتلة في بئر السبع والخضيرة كانوا عرباً إسرائيليين من مؤيدي “داعش”، والشخص الذي نفذ عملية “بني براك” كان فلسطينياً من منطقة جنين، لكن أعضاء الخلية الثلاثة الذين قتلتهم وحدة حرس الحدود الخاصة قبل أسبوع وهم في الطريق نحو جدار الفصل، كانوا من سكان جنين ومحيطها، ومثلهم أيضاً المخرب الذي عمل أول أمس في تل أبيب.
هذه هي خلفية قرار إرسال قوات الجيش الإسرائيلي صباح السبت، إلى جنين والقرى القريبة. كان التبرير الرسمي عملية اعتقالات، وعلى رأسها محاولة اعتقال والد وشقيق المخرب المشتبه فيهما بأنهما عرفا مسبقاً عن خطته، ثم لأخذ قياسات لبيت العائلة تمهيداً لهدمه. فعلياً، عرف الجيش أن الدخول الاستثنائي، في وضح النهار، إلى منطقة يعيش فيها مئات النشطاء الفلسطينيين المسلحين سينتهي باحتكاك عنيف. وفي تبادل لإطلاق النار، قتل ناشط في الجهاد الإسلامي وأصيب 13 فلسطينياً، من بينهم فتاة عمرها 19 سنة أصيبت إصابة بالغة. والد وشقيق منفذ العملية لم يكونا في البيت وحتى الآن لم يتم اعتقالهما.
يمكن التخمين أن المزيد من سكان جنين ومحيطها سيحاولون في فترة قريبة تنفيذ عمليات في إسرائيل وداخل المستوطنات. نحن في ذروة “موجة إرهاب” ولا سبب لتوقع وقفها في القريب. في المقابل، سيعود الجيش للعمل في جنين ومخيم اللاجئين هناك، وهي أماكن فيها مستوى متدن لسيطرة السلطة الفلسطينية، كما أن إسرائيل قللت من الدخول العسكري إليها في السنوات الأخيرة. سترافق هذه العمليات مقاومة متزايدة من قبل حماس والجهاد الإسلامي وربما نشطاء محليين من حركة فتح أيضاً (الخطوط الفارقة بين مسلحي التنظيمات غير واضحة، خاصة في مخيم اللاجئين). سيحصل الطرفان على ساحة مواجهة محددة، وقد تنتهي هذه المواجهة بعملية عسكرية واسعة في المدينة وداخل المخيم.
لكن هذه الخطوات، مثل الاستعداد الدفاعي الواسع الذي يتخذه الجيش والشرطة، لا تحل المشكلة الأساسية للموجة الحالية التي بقيت استخبارية. وفي هجوم “إرهاب الأفراد” في الأعوام 2015 و2016 واجه “الشاباك” مشكلة مشابهة لأن معظم المخربين عملوا وحدهم أو في خلايا صغيرة ولم يكونوا منتمين لأي تنظيم. تم صد هذه الموجة أخيراً بفضل إجراءين: تنسيق أمني جديد مع السلطة الفلسطينية (التي دخلت أجهزتها الأمنية إلى العمل)، وتحسين بارز في المراقبة التكنولوجية للشبكات الاجتماعية ووسائل الاتصال الأخرى التي مكنت من تشخيص النوايا للعمل مسبقاً.
يبدو أن التحدي هذه المرة معقد أكثر. وينبع الفرق الأساسي في الموجة الحالية من كمية السلاح ودرجة وصول المخربين إليه. معظم العمليات في الموجة السابقة كانت عمليات دهس وطعن. “المخربون” في الخضيرة وصلوا في الموجة الحالية إلى العملية يحملون ذخيرة كثيرة، أكثر من ألف رصاصة. المخربون الآخرون، باستثناء “المخرب” من بئر السبع، كان معهم سلاح تقني، مثل المسدسات أو بنادق ام 16، هذا هو السبب الذي جعل العمليات أكثر فتكاً.
نسبة إحباط العمليات بقيت عالية نسبياً، 85 – 90 في المئة حسب الأجهزة الأمنية. ولكن لأن عدد المحاولات مرتفع أيضاً فستحدث عمليات قاتلة بين حين وآخر. يبدو أن المخربين تعلموا دروس الجولة السابقة وأصبحوا حذرين أكثر في إبقاء إشارات مسبقة بخصوص خططهم. جزء منهم يستخدم كما يبدو تطبيقات تعتبر أكثر أمناً للاتصال، وجزء آخر تقريباً ليس لديه توقيعات على الشبكة.
خلفية القاتل الذي عمل في تل أبيب، رعد حازم، استثنائية قليلاً بالمقارنة مع سابقيه. فقد كان معروفاً كقرصان حواسيب، وخلفه تورط في عمليات تحايل جنائي على الإنترنت، تتعلق بالاتجار بعملة رقمية (كريبتو)، وخداع زبائن في بعض الدول. في الماضي، أصيب بقدمه بإطلاق نار في حادثة في جنين لا ترتبط بالمواجهة مع إسرائيل. كان والده ضابطاً برتبة عقيد في جهاز الأمني الوطني للسلطة. حسب معرفتنا، لم يعمل حازم من قبل تنظيم معين رغم أن عائلته متماهية في معظمها مع حركة فتح. يبدو أن العملية سبقها تخطيط. عدد المصابين مرتفع جداً، مع الأخذ في الحسبان بأنه استخدم مسدساً وأطلق عدداً صغيراً نسبياً من الرصاص.
ضغط اقتصادي
للعمليات الثلاثة الأخيرة ميزة أخرى، وهي أنها حدثت مساء، أثناء بث نشرات الأخبار في التلفزيون (في الخضيرة وفي “بني براك” عتمت على مؤتمرات قمة كانت في ذلك الوقت). قد يرتبط هذا برغبة “المخربين” العمل في الظلام على فرض أنه سيستغرق وقتاً أكثر حينها للعثور عليهم. ولكن من المتوقع أن تكون هناك رغبة في احتلال أكبر قدر من الاهتمام.
بهذا المعنى فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية لعبت دوراً مباشراً في صالح القاتل مساء الخميس. عمليات البث في قنوات التلفزيون، لا سيما في “أخبار 12″، عكست فقداناً مزدوجاً للسيطرة؛ أولاً، من ناحية قوات الأمن التي لم تنجح في السيطرة على ساحة مطاردة المخرب (ظهرت أيضاً صعوبة في التنسيق بين الشرطة والوحدات الخاصة في الجيش التي أرسلت إلى مركز تل أبيب)؛ ثانياً، من ناحية محرري النشرات الذين وفروا نظرة قريبة جداً لعمل قوات الأمن. الحديث هنا لا يدور فقط عن ضرر استخباري محتمل (كشف وجوه الجنود وطرق عملهم)، بل أيضاً بتشجيع متعمد تقريباً للذعر العام. هذا كان ظاهراً أيضاً في جزء من البث السابق، لكن يبدو أنه تم تجاوز خط ما في هذه المرة.
ربما كان من الأفضل أن تفحص وسائل الإعلام هذه المرة أيضاً نفسها بدلاً من الاختباء وراء خطابات منمقة حول حق الجمهور في المعرفة. كمشاهد، عندما اندفع مراسلو الشرطة والمستهلكون والمعارضون المارقون المتسلسلون في أعقاب القوات (بعضهم لم ينس التوقف والتقاط صور لحساباتهم في إنستغرام) تذكرنا وبشوق معين روني دانييل المتوفى.
في النقاشات التي جرت في نهاية الأسبوع مع المستوى السياسي، واصل جهاز الأمن التحفظ من فرض إغلاق شامل على “المناطق” [الضفة لغربية] ومنع دخول العمال إلى إسرائيل والمصلين إلى الحرم في شهر رمضان. هناك خوف من أن العقاب الجماعي، وهي السياسة التي تجنبتها حكومة نتنياهو في “موجة الإرهاب” السابقة بتوصية من الجيش، ستؤدي إلى نتيجة معاكسة لما هو مرغوب فيه، وقد تجر جمهوراً أوسع في الضفة الغربية إلى العنف. مع ذلك، من المرجح أن يتم فرض إغلاق محدود بعد أسبوع في عيد الفصح.
في الوقت نفسه، يتم اتخاذ ودراسة خطوات أخرى، وبتوصية من “الشاباك” تم إغلاق معبر الجَلَمة الذي يربط جنين مع حدود إسرائيل. القصد هو استخدام ضغط اقتصادي معين على سكان المدينة، التي جزء كبير من تجارتها يعتمد على زيارة العرب من إسرائيل. رئيس الحكومة نفتالي بينيت طلب فحص إلغاء أكثر لتصاريح العمل لأقارب منفذي العمليات الأخيرة. وهذا يعتبر عقاباً جماعياً حتى لو كان محدوداً بمناطق وأشخاص محددين.
إنجاز لجهود الصد
إذا كان وضع رئيس الحكومة في الساحة الفلسطينية صعباً، وفي الساحة السياسية الداخلية بائساً تقريباً، فإن بينيت قد يحصل على بعض الراحة في نهاية الأسبوع مما كان يحدث فيما يتعلق بإيران. لقد أفاد كبير المحللين في صحيفة “واشنطن بوست”، ديفيد اغناشيوز، صباح اليوم، بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا ينوي رفع حرس الثورة الإيراني من قائمة عقوبات وزارة المالية الأمريكية. تعد هذه المسألة عقبة كأداء تصعّب على تقدم إيران والدول العظمى نحو التوقيع على اتفاق نووي جديد في المحادثات التي تجري في فيينا.
هذه الأمور تنضم إلى إشارة سابقة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي قال في مقابلة مع شبكة “ان.بي.سي” بأن حرس الثورة الإيراني هو في الواقع منظمة إرهابية. وقد سبق القرار الأمريكي تصريح مشترك لبينيت والوزير يئير لبيد اللذين بشكل استثنائي حذرا الأمريكيين من خطوة كهذه. في الأسبوع الماضي، انشغل بجهود الإقناع في واشنطن مستشارة بينيت السياسية شمريت مئير، والسفير في الولايات المتحدة مايك هرتسوغ.
يصعب تصديق أن النقاش حول حرس الثورة سيشوش على توقيع الاتفاق نهائياً كما يأمل بينيت، ولكن إبقاءه في قائمة العقوبات سيصعب على الصفقات التي ستجريها إيران مع المجتمع الدولي حتى لو تم التوقيع على الاتفاق، لأن لحرس الثورة نصيباً رئيسي في الاقتصاد الإيراني. ومن المتوقع أيضاً أن يحصل على حافز كبير إزاء الارتفاع الحاد في أسعار النفط عقب الحرب في أوكرانيا. على فرض أن تقرير “واشنطن بوست” دقيق، فقد تسجل الحكومة هنا لصالحها نجاحاً معيناً في جهود الصد، خلافاً لادعاءات رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو حول إهمال معالجة التهديد الإيراني.