كتاب جديد يكشف من قاد “إسرائيل” إلى حرب لبنان: شارون لم يُضلل بيغن
بعد مرور أربعين عاما، لا يزال الإسرائيليون يتناقشون حول من هو المسؤول عن الحرب التي شنّوها على لبنان، في 6 حزيران/يونيو العام 1982. وطوال هذه السنوات، كان وزير الأمن حينها، أريئيل شارون، المتهم المركزي في إسرائيل بتوسيع الحرب إلى أكثر من أربعين كيلومترا في الأراضي اللبنانية واجتياح الجيش الإسرائيل حتى بيروت، وأنه ضلل رئيس الحكومة، مناحيم بيغن.
إلا أن كتابا صدر حديثا بعنوان “1982 – لبنان، الطريق إلى الحرب”، من تأليف المؤرخ الإسرائيلي يغآل كيبنيس، يعتبر أن بيغن لم يُضلل، وإنما هو الذي قاد إسرائيل إلى هذه الحرب.
كشف تقرير صحافيّ إسرائيليّ، أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، مناحيم بيغن، والرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، بحثا طرد اللاجئين الفلسطينيين من لبنان
ووفقا لكيبنيس، فإن “بيغن كان يعرف الهدف أفضل من الجميع. ليس الهدف العسكري، وإنما السياسي. وكان يعلم إلى ماذا يريد أن يصل. ومفهومه كان منتظما، أيديولوجيا وأخلاقيا”. ورغم صدور كتب عديدة في إسرائيل حول هذه الحرب، إلا أن هذا الكتاب الأول الذي يلقي المسؤولية على بيغن وشارون، وليس على شارون وحده.
وقال سكرتير شارون العسكري، عوديد شامير، إن “هذه المرة الأولى، بين جميع الكتب التي قرأتها حول حرب لبنان، التي وجدت فيها وصف العلاقات بين رئيس الحكومة ووزير الأمن بصورة دقيقة جدا وحقيقية”، وفق ما نقلت عنه هيئة البث العامة الإسرائيلية “كان” في موقعها الإلكتروني.
وشدد رئيس شعبة العمليات في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي حينها، أوري ساغي، والذي أصبح لاحقا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”)، على أن “مناحيم بيغن لم يُضلَل من حيث المفهوم (لهذه الحرب). على العكس، ربما أنه قاد هذا المفهوم أيضا”.
وأضاف ساغي أنه “لم تكن هناك أي خطة تم طرحها، سواء أمام الحكومة أو بحث بها المثلث الشهير: مناحيم بيغن، أريئيل شارون ورفول (رئيس أركان الجيش رفائيل إيتان)، ولم أكن حاضرا هناك، لأني أحضرت الخرائط، وشرحت الأمور عندما تعالت أسئلة. وأعتقد أني أدركت أن لدى رئيس الحكومة وجهة نظر. وهو لم يتأثر فقط باستنتاجات وزير الأمن و/أو جهاز الأمن”.
ويصف الكتاب بيغن بأنه كمن بادر وقاد الحرب التي أدت إلى استقالته. وبحسبه، فإن شارون تحول إلى المتهم بشن هذه الحرب، في يومها الثاني، عندما وصل برفقة بيغن إلى قلعة البوفور (الشقيف)، المشرفة على نهر الليطاني وسهل مرجعيون ومنطقة النبطية. وبدا بيغن أمام الجنود الإسرائيليين معزولا عن الأحداث وغير مطلع على أحداث الليلة السابقة وعدد القتلى والجرحى في صفوف قواته، بينما اعتبر شارون في الرأي العام الإسرائيلي أنه مطلع على كل شيء ويخفي معلومات عن بيغن.
ودار نقاش في إسرائيل حول خطة هذه الحرب التي صادقت عليها الحكومة.هل صادقت “خطة أورانيم” لاجتياح لبنان أم على عملية عسكرية محدودة؟ ورفضت الحكومة الإسرائيلية “خطة أورانيم”، التي طُرحت بصيَغ مختلفة حتى ربيع عام 1982. وكان ذريعة إسرائيل لشن الحرب، محاولة اغتيال سفيرها في بريطانيا، بداية حزيران/يونيو 1982.
وقال سكرتير الحكومة حينها، دان مريدور، وكان أقرب مساعدي بيغن، إن “الخطة التي تمت المصادقة عليها تحدثت عن أربعين كيلومترا، نقطة. وكان الهدف منع إطلاق الصواريخ فقط. وهل بالإمكان تحويل لبنان إلى دولة سلام؟ بالطبع. وهذا لم يكن هدفا معلنا للعملية العسكرية. وكان يأتي ضباط إليّ ويقولون إن التقارير التي أصدرها ليست صحيحة، وبدأت أرى وجود فجوات بين ما تعرفه الحكومة وبين ما يحدث على الأرض. والسؤال هو إذا كان هذا مخطط مسبقا أو أنه طرأ بعد ذلك”.
وخلال خطاب ألقاه في جامعة تل أبيب، عام 1987، قال شارون إن “الوصول إلى بيروت لم يكن تجديدا بالنسبة للضباط، إذ أن الجميع كان يعرف خطة أورانيم، وكانوا يعلمون بمهماتهم المتوقعة في إطار الخطة، وقسم منهم تمكنوا من التحوال في مناطق الحرب المتوقعة قرب بيروت”.
وكان الصحافي السابق في صحيفة “هآرتس”، عوزي بنزيمان، قد اقتبس محادثة قال فيها بيغن لنجله، بيني، إنه إذا كان شارون قد خطط لاجتياح يصل إلى بيروت فإن “رئيس الحكومة قد ضُلل”. ومريدور مقتنع بذلك أيضا.
وأشار المحلل العسكري حينها، عوفر شيلح، الذي شارك في هذه الحرب، إلى أن الجيش الإسرائيلي كان “جيش مرتبك يتواجد ويعمل داخل نفسه، وداخل مجموعة سكانية معادية ولا يفهمها، وكل ما يفعله هو تلقي ضربات (المقاومة). وكانت هذه خسارة متواصلة، وكانت هذه تجربة شديدة الوطأة عليّ وعلى جيلي، وكان لها تأثير على سلوك إسرائيل والجيش الإسرائيلي لسنوات كثيرة لاحقة”.
وأضاف شيلح أن “الاحتجاجات ضد حرب لبنان هي التي جعلت بيغن، أو أنها هي التي كانت بكل تأكيد القشة التي قسمت ظهر بيغن وأرسلته إلى بيته” أي استقالته.
وحول ذلك، أفاد مريدور، أحد أكثر المقربين من بيغن، بأنه “رأيت ما يحدث. لقد رأيت هذا الرجل حزين، منطو داخل نفسه، وبالمناسبة لم يفقد عقله وإدراكه للحظة واحدة، لكنه كان منطو داخل نفسه بشعور أن الأمور تسير بشكل سيء”.