مع غياب الحلول.. تقرير: سكان قطاع غزة يبحثون عن المزيد من تصاريح العمل في إسرائيل كمنقذ لأزمتهم
وسط أوضاع اقتصادية مُتردية بفعل تواصل الحصار الإسرائيلي وغياب الحلول من حكومة حماس لتخفيض معدلات البطالة، لم يجد عمال غزة سوى تصاريح العمل في إسرائيل، للخروج من بؤرة الفقر بالرغم من المخاطر التي تشوبها حيث أضحت لُقمة العيش التي يجلبها العُمال غير سائغة، إذ تخضع لتهديدات متواصلة بالتوقف، وذلك وفقاً لقرارات إسرائيلية ترتبط على الدوام بالمزاج العام وترتبط بالتصعيد والرغبة في تخفيض التوتر.
مطالبات برفع عدد التصاريح
يشهد قطاع غزة الذي يعاني من حصار إسرائيلي مشدد منذ عام 2006، بزيادة في أعداد العاطلين عن العمل حيث تعدّ مستويات البطالة فيه، من بين الأعلى في العالم.
ووصل معدل العاطلين عن العمل خلال الربع الأول من العام 2022 في قطاع غزة، إلى 46.6% في حين وصل معدل البطالة بين الشباب (15-29 عاما) إلى 62.5 في المائة خلال الفترة نفسها.
ومع تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية في القطاع يطالب العديد من البطالين بزيادة حصة تصاريح العمل حيث يقول أحد طالبي العمل: “عندما سمعت عن فتح باب التسجيل للعمال لم استطع النوم وأتيت إلى هنا بسرعة كي أسجل إسمي لأن الفقر دخل بيوت كل الناس”.
وينظر عمال قطاع غزة، إلى سوق العمل في إسرائيل على أنه الأمل في تحسين أوضاعهم الاقتصادية وأوضاع ذويهم في الداخل، لذلك يسعون للحصول على تصريح العمل الذي يخول لهم دخول المناطق الإسرائيلية لمدة محددة مسبقا دون تضييقات أمنية.
ويقول البنك الدولي أن أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، وقد تفاقمت الأوضاع في ظل جولات القتال المتكررة والحصار الاقتصادي الذي تفرضه إسرائيل منذ سنوات وهو ما يجعل الحصول على فرصة عمل في إسرائيل بمثابة فرصة لجني عشرة أضعاف ما يمكن كسبه من العمل داخل القطاع، ما يمثل حافزا قويا لسكان القطاع الساحلي الفقير الضيق الذي يؤوي نحو 2.3 مليون شخص.
ورغم الصعوبات التي يواجهها العمال في إسرائيل، إلا أن هذا لم يكن له تأثير يُذكر للحد من الإقبال. وتقول وزارة العمل، التي تديرها “حماس” في غزة، إنها تلقت 100 ألف طلب للحصول على تصاريح عمل، عندما بدأت المشاركة في عملية تقديم الطلبات.
إسرائيل ترفض الزيادة
وبالرغم من طلبات الزيادة في تصاريح العمل من الجانب الفلسطيني إلا أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد، اشترط في تصريحات يوم الأحد، زيادة تصاريح العمل المخصصة لقطاع غزة عن 20 ألفًا؛ بإعادة الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس..
وقال لابيد في كلمته بافتتاح جلسة حكومته الأسبوعية، إنه: “سيدرس بإيجابية زيادة حصة تصاريح العمل لقطاع غزة حتى 20 ألفًا”، وأضاف “سنتوقف عند هذا الحد من التصاريح (20 ألفًا)، وأي زيادة أخرى ستكون مشروطة باستعادة الجنود”.
وهو ما أكده موقع “واينت” عن مصدر أمني إسرائيلي اخر، قوله إن “حصة عمال غزة تبلغ حاليًا 20 ألفًا يدخل فعليًا منهم 14 ألفا، ولا يتوقع زيادتها في الوقت القريب حتى يظهر تقدم في محاولات دفع صفقة لإعادة الأسرى والمفقودين لدى حماس”.
وأشار “واينت” إلى أن الأيام المقبلة، ستشهد تقييما للأوضاع في قطاع غزة بخصوص “السياسة الجديدة”، بواسطة القيادة الجنوبية في جيش الاحتلال ومنسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة، وسيتم تقديمه إلى وزير الأمن، غانتس، لفحص ما إذا كان من المجدي الاستمرار بهذه الإجراءات.
وهي التصريحات التي رد عليها القيادي في حركة حماس إسماعيل رضوان والذي أكد أن ملف تبادل الأسرى ليس له علاقة بأي ملفات أخرى، وهو خاص بصفقة تبادل فقط، رافضًا ربطه بملف زيادة العمال من القطاع.
اتهامات للغرفة التجارية
الحصول على تصريح عمل داخل إسرائيل أصبح حلم لبعض عمال القطاع بسبب صعوبة الحصول على تصريح قانوني بالطريقة المعهودة حيث وصف العامل “أبو إبراهيم” صدور منع أمني بحقّه، بعد نحو أسبوعين من تقديمه للحصول على تصريح عمل في الداخل المحتل بالمسرحية المكشوفة التي تُمثّلها “الشؤون المدنية” عليهم.
وقال: “من غير المنطقي أن يصدر عن سلطات الاحتلال منع أمني لعدد كبير من العمال الذين سجّلوا للحصول على تصاريح عمل عبر وزارة العمل، فغالبيتهم ليس لهم أيّ سلوك يمكن عدُّه مُستهدِفًا لأمن الاحتلال”.
وأشار أبو إبراهيم إلى أنّ عمالًا تقدموا بملفاتهم للغرفة التجارية للحصول على تصريح عمل، فتخبرهم أنّ ملفاتهم وصلت إلى الطرف الإسرائيلي، ويتضح فيما بعدُ أنها حبيسة الأدراج وأنّ ما يظهر على أيقونة فحص التصاريح “أرسل وانتظر” خدعة.
حيث انتشر في الآونة الأخيرة ما يعرف بسماسرة التصاريح وهم أشخاص يقومون ببيع تصاريح العمل بطرق غير قانونية.
وهو ما عبر عنه المحامي المختص بالقضايا العمالية نادر سلمية والذي اعتبر انتشار ظاهرة بيع التصاريح بمثابة “بورصة وسوق سوداء” تنهب جيوب العمال وتنتقص من حقوقهم، مؤكداً أنه تم “رصد الكثير من الدعاوى والقضايا المرفوعة أمام دوائر التنفيذ في المحاكم الفلسطينية من قبل السماسرة على العمال، ممن يوقعون على الكمبيالات كضمان ويتعثرون في الدفع الشهري لهم، مطالبين تحصيل قيمة المبالغ المتراكمة على العامل لشهرين أو ثلاثة، فيتم استصدار أمر حبس لاستحقاق هذه المبالغ، رغم أن السمسار يكون قد قام بوقف تصريح العامل كعقوبة فورية!”
ويؤكد سلمية أنه رغم عدم قانونية الأمر فإن “ما يجري على أرض الواقع هو اضطرار العامل لدفع المبلغ وإجراء تسوية مع السمسار بسبب ارتفاع تكاليف أتعاب المحامين لرفع دعوى منع مطالبة أو إصدار قرار بوقف التنفيذ”
لا حقوق للعمال
وزيادة عن المخاطر التي يواجهها العمال الفلسطينيين في إسرائيل، فإن سلطات الاحتلال ابقت على صفة “تاجر” لنحو ألف رجل اعمال فيما غيرت الصفة لألاف العمال الى “احتياجات اقتصادية”.
وتعقيبا على هذا قال رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة سامي العمصي، إن الاحتلال الإسرائيلي يرفض إضفاء صفة “عامل” على تصاريح العمال الفلسطينيين وذلك “للتهرب من حقوقهم القانونية”.
وأضاف العمصي، أن الاحتلال الإسرائيلي أقر مؤخرًا اجراءً جديدًا بإضفاء صفة “احتياجات اقتصادية” على التصاريح الممنوحة للعمال، بدلا من الصفة السابقة “تاجر”، معتبرًا ذلك تهربًا متعمدًا وتنصلاً من الحقوق القانونية المترتبة على إضفاء صفة “عامل” على التصاريح.
وأوضح أنه يحق للعمال الفلسطينيين العاملين في الداخل المحتل الحصول على نفس الحقوق التي يحصل عليها العمال الإسرائيليين حسب قانون عمل دولة الاحتلال.
وبين أن صفة “عامل” تمنح العامل جملة من الأمور، مثل الحصول على الحد الأدنى من الأجور، إجازة سنوية، مستحقات مرض، مستحقات التشغيل في يوم الراحة، بدل ساعات إضافية، نفقات السفر، تأمين تقاعدي، تعويض الإقالة، والحصول على تأمين صحي وخدما صحية مهنية.
وأشار إلى أن عمال غزة والضفة يعانون من ظروف عمل سيئة، ويفتقرون إلى تدابير السلامة والتأمين المناسبين، وغالبًا ما يشكون من انتهاكات قوانين العمل الإسرائيلية ومعايير ومواثيق العمل الدولية، التي صادق عليها الاحتلال، ولا سيما فيما يتعلق بالأجور، وساعات العمل، وسياسات الإجازة، وقد تفاقمت هذه الظروف منذ جائحة كوفيد-19.
ولفت إلى أن منحنى متوسط ضحايا حوادث العمل منذ بداية سنة 2000 حتى 2021 يظهر أن معدل حالات الوفاة السنوية في صفوف العمال العاملين بالداخل المحتل يبلغ قرابة 33-35 عاملًا، لكن عائلاتهم لا تحصل على تعويضات.
وأمام الأوضاع المعيشية المتردية داخل القطاع المحاصر لا يوجد حل اخر أمام عمال القطاع لتوفير احتياجاتهم في ظل الظروف القاهرة خاصة مع عجز حماس بالنهوض بالاقتصاد المتهالك فبالرغم من أهمية العمل داخل إسرائيل في تحسين الوضع التشغيلي، إلا أنها لا تعتبر حلا جذريا، وليس كافيًا، ولا يجب الاعتماد عليه، خاصة أن إسرائيل تتحكم في الأعداد من وقت لآخر، كذلك تُخضع تلك الشريحة التي تحمل تصاريح العمل إلى المزاج العام، وتجعلهم في حالة أرق وقلق متواصلة، قد تؤثر بالأساس على آلية صرفهم أموالهم، بناء على عدم ثقتهم بمصير العمل في الفترات القادمة، وتقنين الإنفاق، وبالتالي انعكاس ذلك على الاقتصاد الفلسطيني.