قضية أرض المندوب تهدد الاستقرار الاجتماعي في قطاع غزة
قضية أراضي ما تسمى بالمندوب في قطاع غزة تعود للواجهة من جديد، رغم التحفظ على هذا اللقب لأنها بالأصل أراضٍ فلسطينية المحتوى والمسمى، فمنذ العهد العثماني وانسحابه حين دخول الانتداب البريطاني فقد أخذ كافة أوراق طابو الأراضي معه إلى دمشق وحتى يومنا هذا بقيت هذه الأراضي دون أوراقها الرسمية وتحت اسم المندوب، لتكون ضمن إشكاليات ما بين الحكومة وملاكها من مواطنين، وتبرز القضية بين الفينة والأخرى ليطالب أصحابها بضرورة حلها جذريا فهي قضية شائكة تزداد تعقيدا مع مرور الزمن.
في التقرير هذا سنطلع على آخر المستجدات بخصوص القضية مع سلطة الأراضي في قطاع غزة وقبل ذلك سيتم إيضاح المسألة تاريخيا مع أحد أصحابها من عائلة الأسطل والتي تعتبر من بين أكثر العائلات التي تملك مساحات كبيرة من أراضي المندوب. ما هي مطالب العائلات؟ وما هي الحلول المقترحة لتسوية الأمر؟.
حسب سلطة الأراضي في قطاع غزة فإن مساحة أراضي المندوب تقدر بـ٦٨٢٠ دونما في خانيونس و٢٢٩٠ دونما في رفح.
تحسين الأسطل: “انتزاع الأراضي من أصحابها سيهدد النسيج الاجتماعي في غزة”
لمناقشة الموضوع بتفاصيله فقد تواصلنا مع أحد أصحاب هذه الأراضي وهو الدكتور تحسين الأسطل المتضرر لعدم تسجيل أراضي عائلته والذي قال: “في زمن العهد العثماني كانت الأراضي مطوبة لكن مع بداية الانتداب البريطاني وانسحاب السلطات العثمانية التي أخذت أوراق ملكية الأراضي معها، وبعد إغلاق الانتداب لاحقا دائرة تسجيل الأراضي فباتت من دون سجلات ثبوتية رسمية، وبعد محاولات عديدة من المواطنين آنذاك لإعادة فتحها فقد تم تسجيل الأراضي المستصلحة فقط وبسبب الضرائب العالية فكان المواطن يضطر لتسجيل فقط أراضيه المستصلحة أي المزروعة والتي تشكل مصدر رزق له، أما الكثبان الرملية ولصعوبة استصلاحها وتكاليفها العالية بقيت دون تسجيل ووعدوا في حينها بالتسجيل في لحظة التصليح، وبقيت هذه الأراضي بين كل عائلات المنطقة أنها لهذه العائلات وكان يتم وضعها في الإرث الشرعي لكل عائلة، وكثير من العائلات بدأت بالعمل على استصلاحها منذ الإدارة المصرية وزرعتها بمحاصيل الجوافة والنخيل وغيرها”.
وتابع: “وعندما جاء الاحتلال الإسرائيلي كانت العائلات قد استصلحت أغلب هذه الأراضي المتعارف عليها إنها لهم وليسوا متعدين عليها، وحاول الاحتلال مصادرة العديد من الدونمات لكن تصدى لهم المواطنون وقابلوهم برفض الخروج من الأرض بل الصمود فيها وحتى بعض الحالات كانت عبارة عن رفع قضايا للحاكم العسكري أو الاحتجاج وبالفعل لم يستطع الاحتلال ومستوطنوه السيطرة على هذه الأراضي مقابل صمود أصحابها فيها، ما عدا الأراضي التي كانت خلف الطريق الاستيطاني الذي شقه الاحتلال على أراضي الصفراء وجاثمة عليها مستوطنة غوش عطيف في محافظتي خانيونس ورفح.”
خطورة أن يتم انتزاع هذه الأراضي بالفعل
سلطة الأراضي والتي شكلتها حركة حماس تريد أن تسجل نحو ٥٠٪ من الأراضي لصالح أصحابها، والباقي يرحل إلى ملكية سلطة الأراضي وهذا بالتأكيد مرفوض من قبل العائلات، ويوافق المواطنون على تطبيق القوانين على أراضيهم كما تطبق على باقي الأراضي المسجلة مثل استقطاع ٢٥٪ منها لصالح المشاريع التطويرية في المنطقة إذا كانت الحكومة تريد تنفيذ مشاريع تطويرية من مدارس أو طرق أو مساجد أو مؤسسات، على حد قول الأسطل والذي أردف: “لكن أن يتم انتزاعها بهذه الطريقة فهو أمر مرفوض لأنها أراضٍ متوارثة واستقطاعها سيسبب ظلما لآلاف الأسر والعائلات لأنه تم توزيعها مسبقا حسب الإرث الشرعي على أفراد العائلات كأنها أراضٍ مسجلة، وانتزاعها من قبل الحكومة بالتأكيد سيشعل مشاكل عائلية كبيرة سواء داخل العائلات أنفسها أو حتى مع العائلات الأخرى، وبالتالي خطورة قرارات الحكومة بنزع هذه الأراضي من أصحابها تتمثل في أنها تهدد النسيج والاستقرار الاجتماعي في قطاع غزة، إذ ستعيد الخلافات بين الاخوة والعائلات، فحينما يتم اقتطاع نحو ٣ آلاف دونم لصالح الحكومة بالتأكيد سيضطر الأهالي للبحث عن حلول لإعادة تقسيم الأرض المتبقية وعلى إثره ستزيد المشاكل العائلية.
هذه القضية يجب أن تلقى عناية الجميع، القضية ليست بالأرض كأرض، بل الظلم الذي سيلحق بالكثير من العائلات بسبب انتزاع هذه الأراضي. نحن كعائلات لدينا موقف ومطلب وهو أن يتم التعامل مع هذه الأراضي كأراضي مواطنين، كالأراضي المسجلة بالفعل وكأراضي طابو بالفعل، فهي أراضٍ ورثناها عن الآباء والأجداد منذ مئات السنين وأوراقها لدى الحكومة التركية”.
مطالبات بالاتفاق على تشكيل هيئة للتسوية مكلفة من الرئيس محمود عباس
وفي سياق طرح الحلول، قال الأسطل: “كعائلات نحن نطالب بشكل واضح أن تخضع هذه الأراضي لاتفاق ما بين كافة مكونات الشعب الفلسطيني لأن الأمر خطير جدا ولابد أن يشكل مندوب تسوية مكلف من سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن، لأن كافة الإجراءات التي تتخذ في قطاع غزة هي إجراءات غير مقبولة قانونيا لأنها تتناقض مع النظام الأساسي الفلسطيني وقانون سلطة الأراضي الفلسطينية، الذي يعطي الرئيس فقط الحق بتكليف مندوب تسوية أراضي، وهذا غير مطبق في قطاع غزة، وبالتالي على حركتي حماس وفتح وبمباركة من السيد الرئيس محمود عباس الاتفاق على تشكيل هيئة برئاسة مندوب تسوية ليتابع كافة الإجراءات المتعلقة بأراضينا”.
وأختتم: “حتى هذه اللحظة حركة حماس تُعتبر حكومة أمر واقع في قطاع غزة، وبالتالي لا يجوز أن تتخذ مثل هذه القرارات المصيرية لوحدها الموضوع ليس أراضي بل هو سياسي يحتاج إلى توافق وطني في هذه القضية المهمة والتي تشغل تفكير الآلاف من العائلات، القرارات في هذه الأراضي يجب أن تكون في إطار توافق وطني وليس على إطار سلطة الأراضي في غزة التي شكلتها حكومة أمر واقع، وإنما قضية وطنية لكافة المواطنين وهو قرار سيادي في هذا الموضوع لأنها قضايا لابد أن تدرج في إطار الخلافات السياسية”.
سلطة الأراضي في القريب العاجل ستطرح الحلول
سلطة الأراضي في قطاع غزة تتابع موضوع أراضي المندوب كما تنشر آخر الأخبار عنها عبر صفحتها على الفيسبوك، وكان آخر ما أصدرت بهذا الخصوص تصريح صحفي بتاريخ الـ١٨ من شباط المنصرم والذي أوضحت فيه التالي:
“تؤكد رئاسة متابعة العمل الحكومي على سعيها الجاد والمسؤول لحل موضوع أراضي المندوب، على قاعدة لا ضرر ولا ضرار واستنادًا للقانون، بوصفها قضية معقدة تطفو على السطح كل فترة من الزمن، منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994م، وعليه نؤكد على ما يلي: نقدر صبر أهلنا وعوائلنا الكريمة في خانيونس ورفح، بسبب امتداد الفترة الزمنية لعمل اللجنة المشكلة بالخصوص عن الوقت المحدد سابقا، وذلك لإشراك كل الجهات ذات العلاقة، وتخطيط وتحديد هذه الأراضي بشكل سليم.
انتهت اللجنة من وضع تصور الحل، بما يراعي تنفيذ القانون وتحقيق المنفعة العامة ومراعاة حفاظ هذه العائلات الكريمة على الأرض لسنوات طوال مستندين في رؤيتنا إلى الموازنة بين مطالب عائلاتنا الكريمة وبين الاحتياج العام ومراعاة مصالح الأجيال المتعاقبة.
سيتم قريبا جدا عقد لقاء يجمع ممثلي العائلات ذات العلاقة بقضية أرض المندوب، برئاسة متابعة العمل الحكومي لوضعهم في صورة ما تم وآليات إنهاء هذه الإشكالية.
نأسف لما يجري حاليا من سوء تفسير للموقف الحكومي الهادف لإحقاق الحقوق ومراعاة احتياجات أهلنا والمصالح العامة وتصوير الأمور على غير حقيقتها.
نؤكد على احترامنا واعتزازنا بكل عائلات شعبنا، ونثق أن أهلنا وعوائلنا في خانيونس ورفح سيكونون كما عهدناهم دوما سنداً ودعماً لإحقاق الحق واحترام القانون.”
وبعد مرور نحو شهر على هذا التصريح ولاستيضاح ما تم التوصل إليه من حلول لهذه القضية قابلنا رئيس سلطة الأراضي الدكتور عماد الباز عبر اتصال هاتفي والذي فضّل عدم ذكر أي تفاصيل متعلقة بموضوع أراضي المندوب واكتفى بالقول إنهم يحاولون التوصل لبعض التصفيات في هذه الأراضي قائلا: “هناك العديد من الأراضي غير أراضي المندوب والتي فيها إشكاليات كأرض الإخصاب مثلا والمبيع في رفح، وغيرها ونحن الآن بدأنا بإيجاد حلول لكل مشكلة على حدة وكانت البداية لأرض المندوب ثم الإخصاب والباقي، أما بالنسبة للاجتماعات فلم يحدث أي اجتماع حتى الآن مع العائلات ولكن في القريب العاجل سيكون هناك حلول للمواضيع وسنطلع الإعلام عليها في حينها وسننشرها عبر صفحاتنا في مواقع التواصل الاجتماعي.”